واحتج آباء وأمهات العديد من الطلبة الجدد على سماح المسؤولين عن تلك المؤسسات التعليمية ببعض المقالب التي يتعرض لها أبناؤهم في الكثير من المدارس والمعاهد، واصفين ممارسات "البيزوطاج" بكونها شبح مرعب للطلبة الجدد.
والبيزوطاج عبارة عن احتفالات يقوم بها الطلبة القدامى لاستقبال الجدد من أجل إزالة الشعور النفسي بالرهبة التي تنشأ عن ولوج الجامعة أو المعهد أول مرة، خاصة في الأسبوع الأول من الدخول المدرسي.
من مخلفات الاستعمار
ودرجت العادة في الجامعات والمعاهد العليا أن يستقبل الطلبة القدامى زملاءهم الطلبة الجدد بأجواء من المرح والفرح، وبمقالب طريفة تجعلهم يندمجون بسرعة في الجو الدراسي بالجامعة، وحتى تنكسر الحواجز النفسية بين الطلبة الجدد ومن سبقوهم إلى مقاعد الدراسة..
وتعد البيزوطاج ممارسات قديمة كان يلجأ إليها الجنود في الجيوش العسكرية، حيث يصر الجنود القدامى على تعريض زملائهم الجنود الملتحقين حديثا لمواقف ومقالب محرجة وطريفة من أجل إزالة مشاعر التردد والخجل والرهبة من أنفسهم؛ حتى يتحرروا من كل الأفكار المسبقة التي توجد في دواخلهم، بغية الانخراط والاندماج سريعا في الحياة العسكرية الجديدة.
وكانت هذه المقالب تنجح في أغلب الحالات في تليين وتيسير الاندماج النفسي للجنود الجدد، الذين كانوا يتخوفون من صعوبات الانضباط في الحياة العسكرية التي تتسم عادة بالصرامة والقسوة.
وانتقلت ممارسة البيزوطاج من تعاملات الجنود القدامى مع رفاقهم الجدد في الجيش إلى أجواء الجامعات والمعاهد والمؤسسات العليا بالمغرب، من خلال ترسبات ومخلفات الاستعمار الفرنسي للبلاد الذي دام سنوات عديدة إلى حدود 1956، السنة التي حصل فيها المغرب على الاستقلال، فظلت بعض ممارسات البيزوطاج في هذه الجامعات، لكنها انحرفت وعرفت تجاوزات سلوكية وأخلاقية خطيرة، أخرجت غاية البيزوطاج من حدودها وغاياتها المُسطرة.
مرح وتحرر نفسي؟؟
ومن أمثلة ممارسات البيزوطاج التي اشتهرت بها بعض الجامعات والمعاهد العليا بالبلاد: إرغام الطلبة الجدد على شرب سوائل من صنع الطلبة القدامى، أو إدخال الرأس في العجين، أو تلطيخ الجسم في الوحل، وأحيانا إجبار الطالب أو الطالبة الجديدة على الأكل من طبق في الأرض بطريقة مذلة، وهو معصوب العينين..
وإذا كان البعض يتقبل هذه السلوكيات، ويعتبرها طبيعية لا تصل إلى الإيذاء الجسدي والنفسي، فإن طلبة آخرين يستهجنون ممارستها، ويعتبرونها نوعا من الاعتداء على حقوق الإنسان..
جواد، طالب جديد بمعهد العلوم التطبيقية في الرباط، يرى أن مقالب استقبال الطلبة القدماء للجدد تخلق أجواء مرحة مليئة بالمفاجئات، ويقول ضاحكا: "من الطلبة الجدد من يتعرض للرشق بالبيض والطماطم، ومنا أيضا من يتعرض للحلاقة قسرا بطريقة مضحكة وتشويه شعره، الذي لطالما وقفنا أمام المرآة للخروج به إلى الطلاب القدامى".
وتقول سميرة، طالبة قديمة: نستعد لممارسات "البيزوطاج" من أجل تحضير بعض المواد والسوائل التي يلطخ بها الطالب الجديد وجهه ورأسه ليزيل ذلك القلق الذي قد يكون العائق أمام اندماجه بأجواء الكلية، وتكون في الغالب هذه المواد من عصير الطماطم والماء بحيث نغمس وجه الطالب الوافد فيه، وبعد ذلك ينقع وجهه أيضا في إناء مليء بالدقيق...".
وبالمقابل، يجد الطالب سعيد رملي أن أجواء هاته الممارسات تخلق الرهبة والفزع في نفس الطلبة الجدد، وأن المشكلة تكمن في حالة رفض الطالب الجديد الانصياع لهذه الممارسات والطقوس التي يسمونها طريفة، حيث يتعرض لنوع من الحصار النفسي والقذف بمختلف الأوصاف طيلة السنة الدراسية، وإلى تحريض نفسي خطير على كل من تسول له نفسه رفض الخضوع لممارسات البيزوطاج.
ممارسات سادية
ويحتج آباء وأمهات الكثير من الطلبة الجدد خلال كل دخول مدرسي وجامعي، ومنهم من راسلوا في السنوات السابقة وزير التعليم للتنديد ببعض ما يحدث في احتفالات الطلبة القدامى بالجدد، والتي تتجاوز حدودها لتصبح ممارسات سادية، وجلسات تعذيب تتخذ غطاء المرح والتسلية.
ووصف عبو المصطفى، أب أحد الطلبة الجدد هذه السنة الدراسية، أنه يخشى على ابنه من ولوج أحد المعاهد العليا بسبب البيزوطاج، مضيفا أن ما يحدث في هذه الاحتفالات الشبابية أضحى شبحا مرعبا للطلبة الجدد.
واستدل الأب الخائف بقصص رآها وسمع عنها، مثل تعرض بعض الطلبة الجدد لحلق الرأس مرغمين وتحت الإكراه، فيما تعرض طلبة آخرون لتلطيخ الوجوه بسوائل غريبة، وتم إرغام البعض على الركوع جماعيا..
وتورد الصحف قصصا حقيقية عن بعض تلك التصرفات البيزوطاجية المؤسفة، مثل حالة احتجاج أب على كسر يد ابنه، وحالة رمي الفلفل الأسود الحار في عيني طالبة جديدة بأحد المعاهد العليا في مكناس، في حين أن أُمّا أخرى جاءت تحتج على إجبار ابنها على شرب بول طالب قديم، بينما تم إرغام طالبة جديدة على استنشاق مسحوق الدقيق؛ الشيء الذي عرضها للاختناق والسقوط مغميا عليها...
جريمة الإهانة
ويعلق عبد الرحمان أمزيل، الباحث التربوي والنفسي، على ممارسات البيزوطاج المتفشية في بداية كل دخول مدرسي في الجامعات والمعاهد العليا خاصة، بأن الاحتفال الذي يدخل في سياق إدماج الطلبة الجدد داخل الحياة الدراسية الجديدة، أمر لا بأس به، ولا شيء فيه إذا راعى ضوابط التربية واحترام الغير داخل المؤسسات التعليمية، ولم يتجاوز ذلك إلى إيذاء أبدان هؤلاء الطلبة، والتأثير سلبا على نفسياتهم.
واستطرد أمزيل بأن ما نسمع عنه من حوادث تتعلق بالبيزوطاج تعتبر تصرفات غير مسؤولة، وتعبر عن انحطاط تربوي يقع فيه بعض الطلبة، مشيرا إلى أن هؤلاء الفاعلين حين يفرضون على طالب جديد القيام بأفعال مهينة وحاطة بالكرامة رغم رفضه، فإنهم يرتكبون جريمة الإيذاء البدني والنفسي، التي يعاقب عليها القانون في دول ديمقراطية أخرى.
وأبدى الباحث أسفه على عدم توفر المغرب على فصل قانوني خاص يتطرق إلى حالات البزوطاج، مبرزا أنه في فرنسا على سبيل المثال يوجد قانون 17 يونيو 98، ويعاقب بستة أشهر سجنا نافذا وغرامة قدرها 7500 أورو، كل من أرغم شخصا على القيام بأفعال مهينة أو تحط من كرامته كإنسان، خلال تظاهرات أو في وسط تربوي أو دراسي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
لو اعجبك الموضوع انتظر تعليقك ، شآركنا برآيك لا تقرا فترحل